خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024 م بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 3 شوال 1445هـ ، الموافق 12 أبريل 2024م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة .
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024 م بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، للدكتور محروس حفظي :
(1) العزمُ على المداومةِ على الطاعةِ بعدَ شهرِ رمضانَ.
(2) استشعارُ العبدِ فضلَ اللهِ عليهِ بأنَّهُ أعانَهُ على أداءِ العبادةِ.
(3) مِن علاماتِ قبولِ الأعمالِ الصالحةِ عدمُ العودِ إلى المعاصِي والمنكراتِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل 2024 م بعنوان : الاستقامة والمداومة على الطاعة ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
«الاستقامةُ والمداومةُ على الطاعةِ»
بتاريخ شوال 1445 هـ = الموافق 12 أبريل 2024 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ، أمَّا بعدُ ،،،
أيُّها الأحبابُ: إنَّ من يُقارن أحوال الناس في رمضان وبعد رمضان ليأخذ العَجَب مِن لُبِّه كلَّ مأخذ، حينما يرى مظاهر الكسل والفتور، والتراجع عن الطاعة في صورة واضحة للعيان، وكأن لسان حاله يحكي: أن العبادة والتوبة وسائر الطاعات لا تكون إلا في رمضان، وما علموا أن الله هو رب الشهور كلها، وما شهر رمضان بالنسبة لغيره من الشهور إلا محط تزوُّد وترويض على الطاعة، والمصابرة عليها إلى حين بلوغ رمضان القابل؛ ولا غرو في ذلك عباد الله، فالله أتبع فرض الصيام على عباده بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل :
(1) العزمُ على المداومةِ على الطاعةِ بعدَ رحيلِ شهرِ رمضانَ:
رحلَ رمضانُ ورحيلُهُ مرَّ على الجميعِ، الفائزين والخاسرين، أمّا الفائزون؛ فلأنّهُم فقدوا أيامًا ممتعةً، نهارهَا صدقةٌ وصيامٌ، وليلهَا قراءةٌ وقيامٌ، نسيمهَا الذكرُ والدعاءُ، وطيبهَا الدموعُ والبكاءُ، شعرُوا بمرارةِ الفراقِ، فأرسلُوا العبراتِ والآهاتِ، كيف لا وهو شهرُ الرحماتِ، وتكفيرُ السيئاتِ، وإقالةُ العثراتِ؟! كيف لا والدعاءُ فيهِ مسموعٌ، والضرُّ مدفوعٌ، والخيرُ مجموعٌ؟! كيف لا نحزنُ على رحيلِهِ ونحنُ لا نعلمُ أمَنَ المقبولينَ نحن أم مِن المطرودين؟!
على أيِّ شيءٍ عزمتَ بعدَ انقضاءِ شهرِ الصيامِ والقيامِ وتلاوةِ القرآنِ؟ رحلَ رمضانُ، لكن ماذا استفدنَا مِن رمضانَ؟ وأينَ آثارُهُ على نفوسِنَا وسلوكِنَا وأقوالِنَا وأفعالِنَا؟ فيا مَن غيرتَ أخلاقَكَ السيئةَ في هذا الشهرِ الفضيلِ داومْ على ذلك ولا تهدمْ ما بنيتَ بعودِكَ إلى الذنوبِ والأوزارِ فتكونَ كالتي نقضتْ غزلَهَا مِن بعدِ قوةٍ، يا مَن اعتادَ حضورَ المساجدِ وعمارةَ بيوتِ اللهِ بالطاعةِ اثبتْ ولا تقطعْ صلتَكَ باللهِ فيُختَمُ على قلبِكَ، قال ﷺ: «لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» (مسلم)، يا مَن كنتَ تقومُ الليلَ استمرَّ في ذلك بعدَ رمضانَ، ولا تتوقفْ ولو بصلاةِ ركعتينِ، فعَنْ ابْنِ عَمْرِو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «يَا عَبْدَ اللهِ لَا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ» (متفق عليه) .
يا مَن داومَ على تلاوةِ كتابِ اللهِ لا تقطعْ ذلك الثوابَ بل اجعلْ لنفسِكَ وردًا ولو قليلًا حتى لا تدخل تحتَ قولِ اللهِ تعالَى: ﴿وَقالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾، فالقرآنُ يفتحُ لكَ أبوابَ الخيرِ، ويا مَن تصدّقَ في رمضانَ خصصْ لنفسِكَ شيئًا تتصدّقُ بهِ على الفقراءِ والأيتامِ فإنَّ اللهَ يرضَى مِن عبادِهِ الصدقةَ، فإنْ لم تجدْ فافعلْ كمَا أمرَكَ ﷺ حيثُ قالَ: «تَعْدِلُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا، أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلَاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ» (متفق عليه) .
يا مَن صامَ الشهرَ كلَّهُ يُسنُّ لكَ صيامُ ستةٍ مِن شوال؛ لتجبرَ ما ثلمَ، وتكملَ ما نقصَ، فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ:«مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (مسلم)، ووَجهُ كونِهَا كصيامِ الدهرِ، هو أنَّ اللهَ جعلَ الحسنةَ بعشرِ أمثالِهَا فصيامُ رمضانَ يُعدُّ مضاعفًا بعشرةِ شهورٍ، وصيامُ الستِّ بستينَ يومًا، فيتحصلُ مِن ذلكُم أجرُ صيامِ سنةٍ كاملةٍ، ويجوزُ صيامُهَا متتابعةً أو متفرقةً، وليس عليها صدقةً كما يظنُّ، فليحرصْ المسلمُ على صيامِهَا قال ﷺ: «مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا» (ابن ماجه).
يقولُ الإمامُ النوويُّ: (قال أصحابُنَا: والأفضلُ أنْ تُصامَ الستةُ متواليةً عقبَ يومِ الفطرِ فإنْ فرقَهَا أو أخرَهَا عن أوائِلِ شوالَ إلى أواخرِهِ حصلتْ فضيلةُ المتابعةِ؛ لأنَّهُ يصدقُ أنَّهُ أتبعَهُ ستًا مِن شوال، قالَ العلماءُ: وإنَّما كان ذلك كصيامِ الدهرِ؛ لأنَّ الحسنةَ بعشرِ أمثالِهَا، فرمضانُ بعشرةِ أشهرٍ والستةُ بشهرينِ) أ.ه.
أخِي الحبيب: لا للانقطاعِ عن الأعمالِ الصالحةِ، فلنحرصْ ولو على القليلِ مِن صيامِ النفلِ، ولنداومْ ولو على القليلِ مِن القيامِ، ولنقرأْ كلَّ يومٍ ولو القليلَ مِن القرآنِ، ولنتصدقْ ولو بالقليلِ مِن المالِ والطعامِ، وهكذا في سائرِ الأعمالِ، ولنحييِ بيوتَنَا ولنشجعْ أولادَنَا وأزواجَنَا، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «وَأَنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ» (البخاري)، فهل تعلمنَا مِن رمضانَ المصابرةَ على الطاعةِ وعن المعصيةِ؟ وهل عودنَا أنفسَنَا على المجاهدةِ للهوىَ والشهواتِ؟ هل حصلنَا على التقوىَ التي هي ثمرةُ الصيامِ الكبرَى، واستمرتْ معنَا بعدَ رمضانَ، فإنَّ خوفَ اللهِ هي السرُّ في حياةِ الصالحينَ والأولياءِ؟!
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل :
(2) استشعارُ العبدِ فضلَ اللهِ عليهِ بأنَّهُ أعانَهُ على أداءِ العبادةِ:
إياكَ أخِي والعجبَ والغرورَ بعدَ رمضانَ، ربَّمَا حدثتْكَ نفسُكَ أنَّ لديكَ الآنَ رصيدٌ كبيرٌ مِن الحسناتِ كأمثالِ جبالِ تهامة، أو أنَّ ذنوبَكَ غُفرتْ فرجعتَ كيومِ ولدتكَ أمُّكَ، فمَا يزالُ الشيطانُ يغريكَ والنفسُ تلهيكَ حتى تكثرَ مِن المعاصِي والذنوبِ، ربَّمَا تعجبُكَ نفسُكَ وما قدمتهُ خلالَ رمضانَ، فإياكَ إياكَ والإدلالَ على اللهِ بالعملِ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يقولُ: ﴿وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ فما الذي يدريكَ أنَّ أعمالَكَ قُبلتْ؟ وهل قدمتَهَا كما ينبغِي؟ وهل كانتْ للهِ أم لا؟ ألم تسمعْ لقولِ الحقِّ عزَّ وجلَّ: ﴿وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾، فاحذرْ مفسداتِ الأعمالِ الخفيةِ.
كان السلفُ الصالحُ يحملونَ همَّ قبولِ العملِ أكثرَ مِن القيامِ بالعملِ نفسِهِ، يقولُ عبدُ العزيزِ بنُ أبي رواد: “أدركتُهُم يجتهدونَ في العملِ الصالحِ، فإذا فعلُوا وقعَ عليهم الهمُّ! أيُقبَلُ منهُم أم لا؟” لا يغفلونَ عن رمضانَ، فإذا فعلُوا وانتهوا يقعُ عليهم الهمُّ أيُقبلُ منهُم أم لا؟ وقال عليٌّ رضي اللهُ تعالى عنه: “كونُوا لقبولِ العملِ أشدَّ اهتمامًا منكُم بالعملِ، ألم تسمعُوا لقولِ الحقِّ عزَّ وجلَّ: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ﴾، وهُم في ذلك يتمثلونَ هديَ الرسولِ ﷺ فعن عَائِشَةَ، زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: “لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ، وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ ﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾ (الترمذي وحسنه) .
إنَّ مَن خالطَ الإيمانُ بشاشةَ قلبِهِ، لا يمكنُ أنْ يهجرَ الطاعات، كيف وقد ذاقَ حلاوتَهَا وطعمَهَا، وشعرَ بأنسِهَا ولذتِهَا في رمضانَ؟ إنَّ هرقلَ لمَّا سألَ أبَا سفيانَ عن المسلمين: «وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لاَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ» (البخاري) .
إنَّ هرقلَ يعلمُ أنَّ مَن ذاقَ حلاوةَ الإيمانِ لا يمكنُ أنْ يرجعَ عن دينِهِ أبدًا مهمَا فُعِلَ بهِ، وكذا لذةُ الطاعةِ هما السرُّ في الاستمرارِ وعدمِ الانقطاعِ، نعم.
يفترُ المسلمُ ويتراخَى، ويمرُّ بهِ ضعفٌ وكسلٌ، خاصةً بعدَ عملٍ قامَ بهِ، وذلك مصداقُ ما جاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةٌ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي، فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ» (أحمد) .
ولنتذكرْ حالَ النبيِّ ﷺ مع ربِّهِ سبحانَهُ حيثُ لم يُسلمْ نفسَهُ إلى شيءٍ مِن الدَّعةِ، ويَخلدْ إلى قليلٍ مِن الراحة، ولكنَّهُ -عليه السلام- كان يَغرقُ في العبادةِ، ويُكثرُ مِن الخَلوةِ، ويُبالغِ في التهجُّدِ، فيَعجبُ لذلك هؤلاءِ الأصحابُ، ويسألونَ عن السرِّ كمَا وردَ عن الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَكَلَّفُ هَذَا؟ وَقَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: «أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» (مسلم)، عاشَ ﷺ حياتَهُ حامدًا للهِ، وكان أعبدَ الناسِ لمولاه، وأمرَ بمواصلةِ العبادةِ حتى ينتهِي الأجلُ المحتومُ، ويؤكدُ ذلك ما قالَهُ ﷺ في دعائِهِ المشهورِ: «وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْر» (مسلم) إذ لم يُقْصِرْ الخيرَ على شهرِ رمضانَ فحسب، بل إنَّ هذا كلَّهُ إنَّمَا هو استجابةٌ لأمرِ ربِّهِ -جلَّ وعلا- بقولِهِ: ﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ﴾، فلا مُنتهَى للعبادةِ والتقربِ إلى اللهِ إلَّا بالموتِ، فأينَ نحنُ مِن هذا كلِّهِ؟!
إنَّ آلاءَ اللهِ على العبدِ كثيرةٌ ولا يستطيعُ أنْ يوفيهَا حقَّهَا مِن الشكرِ والطاعةِ فلا يستكثرنَّ عبادتَهُ، قال ﷺ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ” لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا» (البخاري) .
يقولُ ابنُ بطالٍ في الجمعِ بينَ هذا الحديثِ وقولِهِ:﴿وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، ما محصلُهُ: (أنْ تُحمَلَ الآيةُ على أنَّ الجنةَ تُنالُ المنازلُ فيهَا بالأعمالِ فإنَّ درجاتِ الجنةِ متفاوتةٌ بحسبِ تفاوتِ الأعمالِ، وأنْ يُحمَلَ الحديثُ على دخولِ الجنةِ والخلودِ فيها، … لأنَّ اقتسامَ منازلِ الجنةِ برحمتِهِ وكذا أصلُ دخولِ الجنةِ هو برحمتِهِ حيثُ ألهمَ العاملينَ ما نالُوا بهِ ذلك، ولا يخلُو شيءٌ مِن مجازاتِهِ لعبادِهِ مِن رحمتِهِ وفضلِهِ، وقد تفضلَ عليهم ابتداءً بإيجادِهِم ثم برزقِهِم ثم بتعليمِهِم) أ.ه.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 12 أبريل :
(3) مِن علاماتِ قبولِ الأعمالِ الصالحةِ عدمُ العودِ إلى المعاصِي والمنكراتِ:
إنَّ الرجوعَ والنكوصَ عن العملِ الصالحِ هو مِمّا استعاذَ منهُ النبيُّ ﷺ، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ، وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ..» (مسلم)، واللهُ جلَّ وعلا يقولُ: ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً﴾ .
أخِي الحبيب: إذا أرادتَ أنْ تعلمَ هل قُبِلَ صومُكَ وصلاتُكَ وقيامُكَ ودعاؤُكَ فلتنظرْ في حالِكَ بعدَ رمضانَ إذا أتبعتَ الحسنةَ بالحسنةِ بعدَ رمضانَ دلَّ ذلك على قبولِ عملِكَ عندَ الربِّ تعالى؛ لأنَّ رمضانَ أشبَهُ بالنورِ الذي يُبثُّ في القلبِ، فكلمَا كان العملُ الصالحُ في رمضانَ كثيرًا كان بقاءُ ذلك النورِ إلى العامِ القادمِ أكثر.
واللهُ سبحانَهُ قد وفقكَ للطاعةِ في رمضانَ فلتشكرْهُ على ذلك، والشكرُ ليس فقط تحريكَ اللسانِ بالحمدِ ولكنَّهُ شهودُ القلبِ للنعمةِ مع تعظيمِهَا ومحبةُ المنعمِ بها، ثم تصريفُ هذه النعمةِ في مرضاةِ اللهِ، فمَن أرادَ أنْ يعلمَ هل قُبِلَ صومُهُ فلينظرْ في تقواهُ بعدَ رمضانَ هل صارَ أتقَى للهِ؟ وليستغلَّ هذه الفرصةَ مِن العزيمةِ التي مِن اللهِ عزَّ وجلَّ بهَا عليهِ في الصلاةِ وقراءةِ القرآنِ والصدقةِ، وفي خلالِ الأيامِ المقبلةِ ستبدأُ المعركةُ الحقيقيةُ معركةُ النفسِ الأمارةُ بالسوءِ والشياطين التي تنتظرُ الانطلاقَ، فهل أخذنَا العدةَ لذلك وعزمنَا على المقاومةِ؟ قالَ ربُّنَا: ﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾، ولتحرصْ على صحبةٍ صالحةٍ وقرناءَ صالحين، يعينونَكَ على طاعةِ اللهِ ويساعدونَكَ على عدمِ الانتكاسةِ، والرجوعِ للمنكراتِ كالتدخينِ والتعاطِي، فالقومُ لا يشقَى بهِم جليسُهُم، ولتسأل اللهَ تعالى الثباتَ والتوفيقَ، وأنْ يربطَ على قلبِكَ، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾، ولنحاسبْ أنفسنَا، ونتزينْ للعرضِ على الرحمنِ جلَّ وعلا، فلنتخذْ حذرنَا، و«الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ المَوْتِ، وَالعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ» (الترمذي).
نسألُ اللهَ أنْ يرزقَنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنَّهُ أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، وأنْ يجعلَ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: الفقير إلى عفو ربه الحنان المنان
د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف